غير مصنف

الغويل يعترف بأنه بعد 14 عاما على “نكبة فبراير” ليبيا أصبحت دولة بلا عدالة ولا سلام

اعترف الباحث السياسي حافظ الغويل أنه بعد 14 عاما على نكبة فبراير، ليبيا أصبحت دولة بلا عدالة ولا سلام ولا أصبحت دولة فاعلة، مشيرا إلى أنه تعرّض الإطار المؤسسي الليبي لتفكك شبه كامل، كما يتضح من تنازل الدولة الفعلي عن مسؤولية الوظائف السيادية الأساسية لجهات فاعلة غير حكومية.

وقال الغويل في مقال بصحيفة “عرب نيوز” اللندنية الناطقة باللغة الإنجليزية إن الاشتباكات التي شهدتها #طرابلس الشهر الماضي أظهرت إفلات مطلق من العقاب للجناة، مما يعكس نمطًا منهجيًا استغلت فيه النخب الحاكمة العنف لكسب المال، ولم يكن هذا الحادث استثناءً، بل كان نتيجةً حتميةً لاقتصاد سياسي ريعي تهيمن عليه شبكات فاسدة ورعاة خارجيون.

وتابع بقوله “على الرغم من أن طرابلس تُدرّ 50 مليون دولار يوميًا من تصدير 1.2 مليون برميل من النفط، إلا أنها لا تزال مُمزّقة، مُقسّمة إلى إقطاعيات ميليشيات تعتمد فيها أي سلطة اسمية للدولة كليًا على أكثر من 120 جماعة مسلحة، وتسيطر هذه الفصائل على اقتصادات غير رسمية وغير مشروعة، بما في ذلك ممرات الاتجار بالبشر التي تنقل آلاف المهاجرين سنويًا إلى أوروبا، وعمليات ابتزاز البلديات، وعمليات جمركية موازية في موانئ مثل #مصراتة”.

ومضى قائلا “تُستخدم عائدات النفط والغاز لدعم رواتب الميليشيات وأنظمة المحسوبية بدلًا من تمويل الخدمات العامة، مما يخلق اقتصاد حرب مستدامًا لا يُعتبر فيه انهيار المؤسسات فشلًا، بل سمة تصميمية تُمكّن النخبة من الاستيلاء عليه”.

ولفت إلى أنه شكّلت حملة “التطهير” الفاشلة التي شنتها حكومة طرابلس الشهر الماضي إعادة تنظيم استغلالية، وليست تغييرًا أو إصلاحًا مؤسسيًا ضروريًا، مشيرا إلى أن عملية اغتيال غنيوة الككلي كشفت عن المفارقة الوجودية لحكومة الوحدة، فهي تقضي على الفصائل المتنافسة بينما تعتمد كليًا على ميليشيات متحالفة، مثل اللواء 444 قتال، الذي يتلقى ما بين 15 و20 مليون دولار شهريًا من خزينة الدولة لصالح “الأجهزة الأمنية”.

واستدرك بقوله “أظهرت حرب المدن الحتمية الشهر الماضي كيف يخدم العنف التنافس بين النخب على الموارد المتناقصة، ولا تزال عائدات النفط الليبية الفصلية، البالغة 6 مليارات دولار، أسيرة هذه الدورة من النهب، حيث تُحوّل الميليشيات بشكل منهجي أكثر من ثلث العائدات عبر عصابات تهريب الوقود التي تنقل أكثر من 100 ألف برميل يوميًا، في الوقت نفسه، تفرض عمليات “الجمارك” الموازية في ميناء طرابلس رسومًا إضافية بنسبة 25%”.

وتطرق إلى أنه “أدّى الاستيلاء على أبو سليم وحده إلى تأمين عائدات غير مشروعة بقيمة 300 مليون دولار شهريًا، مما يؤكد أن ترسيخ الميليشيات كآلية للاستيلاء على الموارد، يُمكّن انهيار الدولة من خلالها إثراء النخبة، وفي هذه الأثناء، يُدار التدخل الأجنبي في ليبيا كسوق معاملات، تتبادل فيه القوى الخارجية رأس المال العسكري مقابل الوصول إلى الموارد، دون أي اعتبار للسيادة الليبية أو استقرارها”.

وأضاف قائلا “تشرف حامية تركيا، التي يبلغ قوامها 5000 جندي، وقواعد الطائرات المسيرة قرب طرابلس، على مناطق بحرية غنية بالهيدروكربونات، بينما تحرس قوات المرتزقة الروس في قاعدة القرضابية الجوية موانئ النفط الشرقية لحفتر، وتتلقى مخصصات من النفط الخام تبلغ قيمتها حوالي 80 ألف برميل يوميًا، ويُغذي هذا التدخل التشرذم، وهي استراتيجية اعتمدتها واشنطن أيضًا كجزء من سياستها المُحيّرة تجاه ليبيا”.

وتحدث عن الموقف الأمريكي قائلا “تُعرب الولايات المتحدة عن دعمها الصريح للسلطة الموازية في طرابلس، ومن جهة أخرى، تُقدم في الوقت نفسه مبادرات دبلوماسية تجاه الحكومة المُنافسة في الشرق التي تُحشد قواتها بنشاط نحو سرت، مُهيّئةً إياها للاستيلاء على 50 مليون دولار يوميًا من عائدات النفط وتُجري مناورات عسكرية مشتركة تُضفي عليها الشرعية، مع وجود أكثر من 12 قاعدة عسكرية أجنبية، فإن تفكك ليبيا ليس مجرد أضرار جانبية، بل هو النتيجة المرجوة لاستغلال الموارد المتخفي وراء ستار الدبلوماسية”.

وحذر من أن وراء هذه الحسابات العبثية لأمراء الحرب، يلوح في الأفق احتمال انهيار مجتمعي نتيجة ندرة مُصممة عمدًا، إذ يُضعف التضخم بنسبة 200% القدرة الشرائية للأسر، بينما يُشل انقطاع الكهرباء 18 ساعة يوميًا قطاعات حيوية وصناعات، على الرغم من تدفق مليارات الدولارات من عائدات النفط والغاز سنويًا.

وواصل قائلا “هذا الحرمان الممنهج يُغذي المعارضة الجماعية، كما يتضح من هتاف 4 آلاف مواطن “لا شرق ولا غرب” خلال الاحتجاجات الشهر الماضي، مُمثلين بذلك إدانة مباشرة لجميع الفصائل الحاكمة بعد 1400 يوم من عدم الوفاء بالوعود الانتخابية”.

وذكر أنه “في هذه الأثناء، يبلغ معدل البطالة بين الشباب 40%، مما يعكس تخلي الأجيال، ويفاقم من ذلك احتكار النخب للموارد – مثل اختلاس ملايين الدولارات من أموال صيانة السدود، والتي كانت نتيجتها المباشرة انهيار سد درنة في سبتمبر 2023، والذي أسفر عن 5000 حالة وفاة كان من الممكن تجنبها، وهو رقم يتجاوز عدد وفيات المعارك في الخطوط الأمامية، نتيجة لذلك، يتصاعد الغضب الشعبي، كما يتضح من حرق الإطارات ليلاً واحتلال مباني الوزارات، والاحتجاجات التي غالباً ما تُواجَه بنيران الميليشيات الحية”.

وذكر كذلك أنه خارج حدود ليبيا، يتحول تفكك البلاد بنشاط إلى حالة من عدم الاستقرار الإقليمي، حيث تُرسل شبكات ساحلية تسيطر عليها الميليشيات آلاف المهاجرين كل عام عبر البحر الأبيض المتوسط.

وأضاف قائلا “يكمن القلق في أن تجدد الحرب الأهلية بين طرابلس وبنغازي قد يُفضي إلى عواقب فورية وخطيرة للغاية، قد تتجاوز حتى احتمال انزلاق السودان المجاور إلى صراع، ولن يقتصر الأمر على حجم المعاناة الإنسانية غير المسبوق الذي قد تُسببه، بل سيمتد إلى تأثير الدومينو على الاقتصاد العالمي نتيجةً لتعطيل صادرات النفط في بلدٍ يمتلك حوالي 41% من إجمالي احتياطيات أفريقيا المؤكدة، مع تسارع تدفقات اللاجئين”.

وشدد على أن يظل تعيين مبعوثين للأمم المتحدة واتفاقيات وقف إطلاق النار مجرد إجراءات تمثيلية في ظلّ انخراط القوى العالمية في تأجيج الصراع، ويُثبت انهيار حكومة الوحدة وصعود حفتر أن قادة ليبيا يُعطون الأولوية للإثراء الشخصي على حساب إرساء عقد اجتماعي موثوق ومستدام.

وأردف قائلا “مع فرار البعثات الدبلوماسية الدولية من طرابلس إلى تونس، وقيام الميليشيات بتخزين الأسلحة، فإن السؤال المطروح الآن ليس ما إذا كان العنف سيتصاعد، بل متى سيُجبر امتداده المجتمع الدولي على إعادة تقييم التراخي وإعادة النظر في النهج، ولا يزال هناك فراغ في المساءلة، فبدون محاكمة المتهمين بالاختلاس أو جرائم الحرب، ونزع السلاح من المدن، ووقف تدفق الأسلحة الأجنبية، سيتحول الصراع الليبي المتجمد إلى صراع إقليمي.

وأتم بقوله “يجب البدء بعملية تدقيق جنائي قبل انهيار السد التالي، فكل 3.6 ثانية، يُضيف برميل نفط جديد المزيد من الأموال إلى هذه الفوضى المُدبّرة، بينما تقترب شرارة الاشتعال الإقليمي أكثر فأكثر”.

زر الذهاب إلى الأعلى