غير مصنف

مجلة ألمانية: معارك طرابلس كشفت وهم الأمن في ليبيا التي باتت تحكمها الميليشيات

أكدت مجلة “السياسات والمجتمع” الألمانية أن معارك طرابلس بين الميليشيات تكشف عن وهم الأمن في ليبيا التي باتت تحكمها الميليشيات المتنافسة بدلا من أجهزة الدولة، وكشفت عن الهشاشة الأمنية في ليبيا المستمرة منذ 2011، وبات واضحا أنها حاليا بدون أي مؤسسات دولة فاعلة أو هياكل ديمقراطية شرعية وأن السلام الدائم حلما بعيد المنال.

وأوضحت المجلة الألمانية أن أزمة ليبيا تتمثل في رفض النخبة السياسية التخلي عن الوضع الراهن خوفا من فقدان قبضتها على السلطة، فبدلا من أن تسعى النخبة السياسية إلى تسوية، فإنها تعزز سلطتها من خلال السيطرة على الميليشيات وشبكات المحسوبية الاقتصادية والنفوذ المؤسسي، فيما ينشغل الدبيبة بتوزيع المناصب الرئيسية بأفراد من عائلته ورجال أعمال موالين له، كما يُرسّخ الأمريكي خليفة حفتر نفوذه بشكل متزايد من خلال هياكل الدولة الرسمية.

وأقرت المجلة أنه منذ رحيل القائد الشهيد معمر القذافي عانت ليبيا من عدم استقرار وانقسام سياسي مستمرين، ولم تجر الانتخابات الموعودة منذ 2021 حتى الآن، حتى فكرة دمج الميليشيات في غرب ليبيا بهياكل الدولة، للمساعدة في إصلاح السياسة الأمنية، تسببت في اختراق الدولة ونهبها والسيطرة عليها من قبل الميليشيات.

وألمحت إلى أن اشتباكات طرابلس ليست حوادث معزولة، بل هي أعراض صراع منهجي على السلطة بين المصالح المتنافسة، فالتصعيد الأخير في طرابلس يعد مثالاً بارزاً، على ذلك الصراع، خاصة وأنه جاء بعد يوم واحد فقط من اغتيال غنيوة الككلي زعيم اليليشيات الأكثر نفوذها والذي كان حليفا للدبيبة وشغل مناصب حكومية رسمية بأفراد موالين له وحصل على موارد الدولة رغم سجله الإجرامي.

وشددت على أن الدبيبة حاول تصوير هذه الخطوة على أنها إجراء أمني مشروع، لكن في الواقع، تشير جميع الدلائل إلى صراع داخلي على السلطة مع غنيوة، الذي ازداد نفوذه بشكل كبير، مطالبًا بمزيد من السيطرة والموارد، ومُشكّلًا تهديدًا متزايدًا للدبيبة والميليشيات الأخرى التي تدعمه.

وأرجعت سبب نفوذ قادة الميليشيات، مثل غنيوة الككلي وآخرين، إلى غياب حكومة فاعلة في ليبيا، ونظام قضائي مستقل، وغياب المساءلة، مضيفة أنه مع خروج غنيوة من المشهد، كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من سيطرة الدولة، لكن ميليشيات أخرى مثيرة للجدل تحلّ محله الآن، فيما يعتمد الدبيبة على جماعات كهذه لحماية نفسه من انتقام حلفاء غنيوة، الذي لم يعد أمامه خيار سوى شراء ولاءات جديدة بتكلفة باهظة.

وأتبعت بقولها “مع ذلك، لم ينجح الدبيبة في كسب ود الشعب، فقد حمّله الكثيرون المسؤولية المباشرة عن العنف المستمر والقتال المتجدد، وخرجوا إلى شوارع طرابلس للمطالبة باستقالته بأعداد لم نشهدها منذ فترة طويلة”.

وواصلت قائلة “يستغل حفتر الوضع مجددًا لتوسيع نفوذه في جميع أنحاء ليبيا، كما فعل في الأزمات السابقة، ففي الغرب، يدعم حفتر عمدًا قوى المعارضة لزعزعة استقرار حكومة الدبيبة الضعيفة أصلًا بشكل أكبر، فمنذ فشل انتخابات عام 2021، غرقت ليبيا في مأزق سياسي، ويزداد إحباط الشعب، على أمل أن تُتيح الانتخابات الحرة، وسيادة القانون، والعدالة الاجتماعية، وإنهاء الحكم التعسفي، بداية جديدة”.

واستدركت بقولها “يستغلّ اللاعبون المتنافسون حالة الجمود السياسي، ويعرقلون الانتخابات أو أي عمليات إصلاح قد تُعرّض نفوذهم للخطر، ومن غير المرجح أن تُؤدي التطورات الأخيرة إلى أي تغيير جذري، ومن المرجح أن يستمرّ الصراع على طرابلس، وغنائم الميليشيات المتنافسة، حتى يتمّ التوصل إلى اتفاق بشأن تقاسم السلطة والموارد”.

وشددت على أنه “بدون ضغط فعال على جميع الأطراف السياسية الفاعلة وخاصة الدبيبة نفسه قد تذهب الجهود الدولية المختلفة أدراج الرياح، فالتدابير الرمزية، مثل لجان الأزمة التي شكلها المجلس الرئاسي، والتي رحبت بها البعثة الأممية، تفشل في معالجة الأسباب الهيكلية لعدم الاستقرار المستمر، ما دامت ليبيا تعاني من سيطرة الدولة وحكم الميليشيات وتفكك المؤسسات، فإن الانتقال السلمي للسلطة القائم على سيادة القانون سيبقى ضربًا من الخيال”.

وحددت المجلة 3 شروط هيكلية لإحداث تغيير سياسي دائم في ليبيا تتمثل في “ضرورة وجود مؤسسات دولة فاعلة، وتعزيز قوات الأمن القائمة على سيادة القانون، وتفكيك شبكات الزبائنية بشكل هادف. كما أن هناك حاجة إلى خطوات حقيقية نحو انتخابات حرة ونزيهة، ضمن عملية انتقالية ملزمة وشفافة، وينبغي على المجتمع الدولي تحديد موعد نهائي للبلاد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، فالتخلف عن الالتزام سيؤدي إلى عواقب دبلوماسية، بما في ذلك سحب الاعتراف بالحكومة”.

وأتمت قائلة “ينبغي رفع دعاوى قضائية ضد قادة الميليشيات المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، ويجب على آليات الملاحقة الدولية بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، التعاون بشكل وثيق مع السلطات القضائية الليبية، وفي الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى عقوبات محددة: حظر السفر، وتجميد الأصول، والعقوبات الاقتصادية، وحظر فعال على الأسلحة. كما ينبغي على المجتمع الدولي تكثيف جهوده الدبلوماسية واللوجستية والتقنية لتشجيع إجراء انتخابات ديمقراطية”.

زر الذهاب إلى الأعلى