موسى إبراهيم عن تسجيل محادثة ناصر والقذافي 1970: كان لرجلين مقاتلين في قلب معركة الأمة العربية الكبرى

علق موسى إبراهيم المتحدث السابق باسم اللجنة الشعبية العامة على المحادثة المنتسرة للزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر والقائد الشهيد معمر القذافي، وقال إنه ليس تسريبا لأنه توثيق عبد الناصر نفسه، مشيرا إلى أن بعض فاقدي البوصلة التاريخية تناولوا المحادثة بسطحية.
وقال إبراهيم في تدوينة عبر حسابه على موقع “فيسبوك”: “كأن لحظة بوح عابرة خارج سياقها، تختصر إرث رجلين كانا في قلب معركة الأمة العربية الكبرى، كل ما باح به عبد الناصر قاله علنا في عدة خطابات رسمية ولقاءات إعلامية مصرية وعالمية”.
وتابع قائلا “لكن تبقى الحقيقة أوسع وأعمق، عبد الناصر والقذافي لم يكونا مجرد متحدثين… بل كانا مقاتلين في معركة طويلة النفس من أجل الكرامة العربية”.
ومضى بقوله “معمر القذافي… شاب الثورة العربية الذي واصل القتال حتى الشهادة، وعندما دار هذا الحوار، كان معمر القذافي في السابعة والعشرين من عمره، وقائداً لثورة أطاحت بالملكية الفاسدة، وطردت الاستعمار البريطاني والأمريكي من ليبيا في سنة واحدة، وأعاد موضعة البلد لصالح المعركة، وكان مفعماً بالحماس، يدعو لحرب عربية شاملة لتحرير فلسطين”.
واستدرك قائلا “لكن الأهم: أن حماسة القذافي لم تكن عاطفة عابرة، حيث دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وساند الثورات التحررية في العمق الإفريقي للعروبة، وصمد في وجه العدوان الغربي، واستشهد مقاتلاً على أرض ليبيا في 2011 وهو يقاوم حلف الناتو، الحلف العدو الأول لأمتنا، فالقذافي كان مشروع مقاومة مستمر حتى النفس الأخير”.
وواصل بقوله “جمال عبد الناصر… القائد الذي بنى أمة، فحين دار الحوار، كان يقف فوق جراح هزيمة 1967، لكنه لم يتراجع ولم يتنازل، بل كان يحمل مشروعاً حضارياً كاملاً، وحدة عربية سياسية واقتصادية وعسكرية، وتحرير وطني شامل لكل شعوب الجنوب العالمي، وبناء ذاتي للأمة عبر التصنيع والاستقلال الزراعي والتعليمي”.
وقال إبراهيم “عبد الناصر بنى السد العالي، وأنشأ عشرات المصانع الكبرى، وجعل التعليم والصحة مجاناً، وحافظ على الجنيه المصري ليصبح عملة سيادية وطنية، وترك مصر خالية من الديون، قوية صناعياً وزراعياً، مات عبد الناصر… لكن مصر كانت أقوى وأكرم مما عرفها العالم منذ قرون”.
وعاد للتطرق مرة أخرى للمحادثة قائلا “يظهر السياق الحقيقي للمحادثة، فبحسب دراسات موثقة عربية وغربية عن ملحمة بناء حائط الصواريخ المصري، كان عبد الناصر يتحرك عسكرياً بسرعة قياسية منذ بداية 1968، حيث يبني شبكة دفاع جوي شاملة، ويدفع بالصواريخ إلى الضفة الغربية لقناة السويس، ويضع الأساس لعبور الجيش المصري لاحقاً إلى سيناء”.
وأردف بقوله “في نفس الوقت، كان يستخدم خطاباً سياسياً محسوب السقف عن السلم وإمكانياته، ليس ضعفاً، بل مناورة ذكية لشراء الوقت لبناء القوة، فعندما قبل عبد الناصر بمبادرة روجرز لوقف إطلاق النار، تعرض لهجوم شرس من بعض الأنظمة العربية صاحبة المزايدات واتهموه بالخضوع والخيانة، لكن الحقيقة كانت مختلفة تماماً”.
وذكر أن “وقف إطلاق النار كان ضرورة عسكرية لبناء شبكة الدفاع الجوي، كان حمايةً للمنشآت المدنية والصناعية المصرية، وكان خطوةً استراتيجية لتحضير الهجوم المستقبلي لتحرير سيناء، بل إن الصحف الأمريكية نفسها حذرت في أغسطس 1970 أن الجيش المصري أصبح مستعداً لعبور قناة السويس في أي لحظة عند انتهاء الهدنة”.
ووصف موسى إبراهيم الحوار الذي دار بين ناصر والقذافي بأن كان “فضفضة الغاضب الصبور، الذي يشتكي من المزايدات الرخيصة لبعض العرب، ويحكي عن الخيانات والغدر، فهم كانوا يسخنونه للحرب قبل إتمام التعبئة العسكرية ثم يتركوه وحده في وجه المدفع، ويصطفون مع أمريكا وإسرائيل ضده”.
وأضاف قائلا “في لحظة صادقة كان عبد الناصر يقول للقذافي إنه لو أراد السلام الدائم مع إسرائيل، لقبل عرض جولدا مائير بأخذ سيناء مقابل اتفاقية، وانتهى الموضوع، ولكنه لم يفعل لأنه كان يريد استعادة الأرض العربية كلها”.
وشدد على أنه “بعد المحادثة واصل عبد الناصر خيار الحرب وأعلن من قمة الخرطوم لاءاته الثلاث، وواصل حرب الاستنزاف بلا توقف، عبد الناصر لم يُخذل بانهيار قواته، بل خُذل حين تواطأ بعض الحكام العرب، الذين خافوا على عروشهم، واصطفوا مع قوى الاستعمار، وخانوا القضية الفلسطينية”.
وأتم قائلا “ما بين عبد الناصر والقذافي، كان هناك جدلية الحكمة والثورة، بين العقل والبندقية، بين الصبر والهجوم، فكلاهما حملا مشروع تحرير ووحدة وبناء ذاتي، وكلاهما دفعا حياتهما ثمناً للأمة”.