الاخبار

الغويل: ليبيا حولت الجمود والاستقطاب إلى أسلوب حياة تستفيد منه عصابات اللصوص المسيطرة على المشهد

أكد المعارض السابق للنظام الجماهيري، حافظ الغويل، أن ليبيا حولت الجمود والاستقطاب إلى أسلوب حياة، تستفيد منه “عصابات اللصوص” المسيطرة على المشهد، بحسب وصفه.

وقال الغويل، في مقال له بصحيفة “العرب” اللندنية الناطقة باللغة الإنجليزية، إن ليبيا تحولت طيلة العقد الماضي إلى شكل غريب من أشكال الحكم، يمكن أن نطلق عليه “الخلل الوظيفي”، وباتت مزيجا من الجمود السياسي والحكم الفاسد والأزمة الدائمة التي لا تعرض الوضع للانهيار، بل بات هذا إطار الحكم ذاته.

وأتبع قائلا “لم يعيق هذا الوضع الراهن الغريب التقدم فحسب، بل رسخ أيضًا النخبة الحاكمة التي تزدهر على عدم الكفاءة النظامية”، مشيرا إلى أن جذور “الخلل الوظيفي” تعود إلى الانقسامات السياسية التي نشأت بعد نكبة فبراير.

واستمر قائلا “وسط التنافس على السيطرة، ترسخت الفصائل المختلفة داخل المؤسسات المركزية للبلاد، مع ظهور المصرف المركزي الليبي كأحدث ساحة معركة، تمامًا مثل الاحتكاكات في المؤسسة الوطنية للنفط، أو الاهتمام المتزايد بانتزاع السيطرة على هيئة الاستثمار الليبية”.

وشدد على أن الدور المزدوج الذي يلعبه المصرف المركزي باعتباره صانعا للسياسة النقدية وموزعا ماليا منه أصلا مرغوبا في لعبة الشد والجذب السياسية، يوضح كيف تم إعادة توظيف وظائف الدولة الحاسمة لدعم سلطة الفصائل الحاكمة بدلا من خدمة الشعب الليبي.

وذكر كذلك الغويل أن النخبة السياسية في ليبيا، تمكنت من إدارة هذا الوضع الغريب، أي إضفاء الطابع المؤسسي الفعال على الجمود إلى الحد الذي أصبح فيه استراتيجية حوكمة متعمدة، من خلال الحفاظ على السيطرة على المصرف المركزي والموارد المحورية الأخرى.

وواصل قائلا “أصبحت الفصائل المتحاربة الآن في وضع جيد لتسليح عدم الاستقرار، واحتجاز اقتصاد ليبيا رهينة مع استمرار المواجهة بين الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها والسلطات الشرقية في الانتشار في إدامة متعمدة للأزمة”.

واستطرد بقوله “أصبحت الفوضى وانعدام الكفاءة عملة القوة في ليبيا، فالوضع غير الوظيفي يسمح للجهات الفاعلة الرئيسية بالتلاعب بالموارد، وتأمين الولاءات، والحفاظ على شبكات المحسوبية، وإبقاء الإصلاحيين المحتملين تحت السيطرة”.

وتطرق إلى أن الإغلاق الجزئي لإنتاج النفط من قبل الأمريكي خليفة حفتر بالمنطقة الشرقية، ردا على تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي من قبل طرابلس، يوضح كيف يتم استخدام التخريب الاقتصادي للحفاظ على النفوذ.

وأردف بقوله “الاضطرابات التي تلت ذلك تردع الاستثمار الأجنبي، وتعطل الحياة اليومية، وتبقي ليبيا مقيدة بالمفاوضات الخارجية، وهي أرض خصبة مثالية للفساد والسعي إلى الريع”.

وقال إن مأزق ليبيا، هو أن الخلل الراسخ أصبح أسلوبًا متعمدًا للحكم، وإذا استفادت النخبة الحاكمة من هذا عدم الاستقرار المزمن، فإن أعضائها لديهم حافز ضئيل لدعم الجهود الحقيقية من أجل مجتمع مستقر وتعددي.

وحذر كذلك من أن التدخلات المتقطعة من قبل المجتمع الدولي، غالبًا ما تتشابك في التناقضات الداخلية في ليبيا، مما يعزز في نهاية المطاف الخلل الذي يهدفون إلى تفكيكه.

وتطرق إلى مثال على هذا الأمر، بحديثه عن إغلاق صدام نجل الأمريكي خليفة حفتر لأكبر حقل نفطي عامل في ليبيا، لمعاقبة أوروبا بعد احتجازه في نابولي، ووصفه بأنه لم يكن هذا حادثا معزولا بل جزءا من اتجاه أوسع نطاقا حيث تحولت موارد الدولة إلى عملة لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية.

واستدرك بقوله “الاقتصاد السياسي الليبي، المجزأ بفعل التأثيرات الأجنبية والتنافسات الداخلية، غير مناسب حتى لزعمائه، وغير قادر على كبح جماحهم، وغير قادر بشكل دائم عن عمد على تلبية احتياجات مواطنيه”.

وحذر من أن إغلاق حقول النفط، والاندلاعات العسكرية، والشلل المؤسسي، والمواجهات السياسية هي أعراض لنظام مصمم لتعطيله بشكل دائم، مما يعزز قوة النخبة.

وهاجم كذلك المجتمع الدولي قائلا “عندما يحاول المجتمع الدولي إعادة تشغيل النظام الليبي المكسور، فإن ذلك ينتهي دائما بإصلاحات مؤقتة لا تستهدف ولا تعالج القضايا الأساسية التي تعوقه، هذه العملية الدورية من الأزمة وإعادة الضبط لا تؤدي إلا إلى إدامة الخلل الوظيفي”.

وانتهى إلى أنه “من الواضح أن الجمود السياسي في ليبيا ليس مجرد نتيجة لصراعات داخلية لا تنتهي على السلطة؛ بل إنه يغذيها استراتيجيات المجتمع الدولي قصيرة النظر وتردده في الانخراط بعمق”.

كما واصل هجومه على الدول الغربية قائلا “الحكومات الأجنبية تتجنب اتخاذ إجراءات حاسمة من شأنها أن تعطل معاملاتها مع ليبيا، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز عصابة من اللصوص الذين يشعرون بسعادة غامرة عندما يتجاهلهم المتدخلون المحتملون”.

ولفت إلى أن النسخة الليبية من “الخلل الوظيفي” تتجاوز مجرد عدم الكفاءة، إنها نموذج حكم ينشر نفسه ويمنع بشكل منهجي أي إصلاح ذي معنى، فمع انهيار مؤسسات الدولة والتلاعب بالقوانين الميتة، تعمل الميليشيات المسلحة والمجتمع الدولي المنفصل على إبقاء الغضب العام تحت السيطرة.

وأتم بقوله “يعمل هذا الافتقار إلى المساءلة على ترسيخ قبضة النخبة الحاكمة على البلاد التي تتميز بأزمات دورية دون حل، وإلى أن يتم اقتلاع هذا النظام، ستظل ليبيا حبيسة حلقة مفرغة من الانهيار وإعادة الإعمار الزائفة، مما يؤخر التحول الديمقراطي ويعزز الحكم الفاسد”.

زر الذهاب إلى الأعلى